فصل: أَولهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث:

عَن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «هاتوا ربع الْعشْر من الْوَرق، وَلَا شَيْء فِيهِ حَتَّى يبلغ مِائَتي دِرْهَم وَمَا زَاد فبحسابه». وَرُوِيَ مثله فِي الذَّهَب.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد النُّفَيْلِي، نَا زُهَيْر، قَالَ: نَا أَبُو إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة وَعَن الْحَارِث الْأَعْوَر، عَن عَلّي- قَالَ زُهَيْر: أَحْسبهُ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «هاتوا ربع العشور، من كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم، وَلَيْسَ عَلَيْكُم شَيْء حَتَّى تتمّ مِائَتي دِرْهَم، فَإِذا كَانَت عِنْده مِائَتي دِرْهَم فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم، فَإِن زَاد فعلَى حِسَاب ذَلِك» ثمَّ ذكر صَدَقَة الْغنم وَغَيرهَا.
ثمَّ رَوَى عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد، أَنا ابْن وهب، أَخْبرنِي جرير بن حَازِم، وَسَمَّى آخر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة والْحَارث الْأَعْوَر، عَن عَلّي عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَعْض أول الحَدِيث، قَالَ: «فَإِذا كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَم، وَحَال عَلَيْهَا الْحول، فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم، وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْء- يَعْنِي فِي الذَّهَب- حَتَّى يكون لَك عشرُون دِينَارا، فَإِذا كَانَت لَك عشرُون دِينَارا، وَحَال عَلَيْهَا الْحول، فَفِيهَا نصف دِينَار، فَمَا زَاد فبحساب ذَلِك».
قَالَ: لَا أَدْرِي أعليٌّ يَقُول: فبحساب ذَلِك، أَو رَفعه إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ثمَّ قَالَ: رَوَى هَذَا الحَدِيث الْأَعْمَش، عَن أبي إِسْحَاق، كَمَا قَالَ أَبُو عوَانَة، وَرَوَاهُ شَيبَان أَبُو مُعَاوِيَة وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَوَى حَدِيث النُّفَيْلِي: شُعْبَة وسُفْيَان وَغَيرهمَا، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عليٍّ لم يرفعوه.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي محلاه: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن وهب، عَن جرير بن حَازِم، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة والْحَارث الْأَعْوَر، قرن فِيهِ أَبُو إِسْحَاق بَين عَاصِم والْحَارث، والْحَارث كَذَّاب، وَكثير من الشُّيُوخ يجوز عَلَيْهِ مثل هَذَا، وَهُوَ أَن الْحَارِث أسْندهُ وَعَاصِم لم يسْندهُ، فجمعهما جرير، وَأدْخل حَدِيث أَحدهمَا فِي الآخر، وَقد رَوَاهُ شُعْبَة وسُفْيَان وَمعمر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عليٍّ، مَوْقُوفا عَلَى عليٍّ، وَكَذَلِكَ كل ثِقَة رَوَاهُ عَن عَاصِم إِنَّمَا وَقفه عَلَى عليٍّ، وَقد بيَّنَّا أَنه حَدِيث هَالك، فَلَو أَن جَرِيرًا أسْندهُ عَن عَاصِم وَحده لأخذنا بِهِ، وَلَكِن لما لم يسْندهُ إِلَّا عَن الْحَارِث مَعَه لم يَصح لنا إِسْنَاده من طَرِيق عَاصِم. هَذَا آخر كَلَامه.
وَلما نَقله عبد الْحق فِي أَحْكَامه عَنهُ نقل عَن غَيره أَن هَذَا لَا يلْزم؛ لِأَن جَرِيرًا ثِقَة، وَقد أسْندهُ عَنْهُمَا، وَقد أسْندهُ أَيْضا أَبُو عوَانَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عليٍّ مَرْفُوعا فِي زَكَاة الْوَرق؛ ذكر حَدِيثه التِّرْمِذِيّ، وَأَبُو عوَانَة ثِقَة.
قلت: وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَن سَلمَة بن صَالح وَأَيوب بن جَابر رَفَعَاهُ عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عَلّي فهذان قد رَفَعَاهُ أَيْضا، ثمَّ إِن ابْن حزم نَاقض كَلَامه فِي آخر الْمَسْأَلَة فَقَالَ: ثمَّ استدركنا فَرَأَيْنَا أَن حَدِيث جرير بن حَازِم مُسْند صَحِيح، لَا يجوز خِلَافه، وَأَن الاعتلال فِيهِ بِأَن عَاصِم بن ضَمرَة أَو أَبَا إِسْحَاق أَو جَرِيرًا خلط إِسْنَاد الْحَارِث بإرسال عَاصِم، وَهُوَ الظَّن الَّذِي لَا يجوز، وَمَا علينا من مُشَاركَة الْحَارِث لعاصم، وَجَرِير ثِقَة، وَالْأَخْذ بِمَا أسْندهُ لَازم. هَذَا لَفظه وَلَا يلتئم مَعَ الأول.
وَأما قَوْله: «فبحساب ذَلِك» فقد أسْندهُ زيد بن حبَان الرقي- وَأَصله كُوفِي- عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عليٍّ مَرْفُوعا. وَزيد هَذَا وَثَّقَهُ يَحْيَى، وَقَالَ أَحْمد: تركُوا حَدِيثه. وَقَالَ ابْن عدي: لَا أرَى بروايته بَأْسا.
قَالَ ابْن حزم: وَرَوَى الْمنْهَال بن الْجراح- وَهُوَ كَذَّاب- عَن حبيب بن نجيح- وَهُوَ مَجْهُول- عَن عبَادَة بن نسي، عَن معَاذ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره حِين وَجهه إِلَى الْيمن: أَن لَا يَأْخُذ من الكسور شَيْئا إِذا بلغ الْوَرق مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم، وَلَا يَأْخُذ مِمَّا زَاد حَتَّى يبلغ أَرْبَعِينَ درهما».
ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، قَالَ: وَلم يسمع عبَادَة من معَاذ. قَالَ: وَرُوِيَ من طَرِيق الْحسن بن عمَارَة- وَهُوَ مَتْرُوك- عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عَلّي مَرْفُوعا، فِي صَدَقَة الْوَرق: «لَا زَكَاة فِيمَا زَاد عَلَى المائتي دِرْهَم حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ درهما». قَالَ: وَرُوِيَ مثله من طَرِيق أبي أويس، عَن عبد الله وَمُحَمّد ابْني أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيهِمَا، عَن جدهما. قَالَ: وَهَذِه صحيفَة مُنْقَطِعَة.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لم يثبت عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي زَكَاة الذَّهَب شَيْء من جِهَة نقل الْآحَاد الْعُدُول الثِّقَات. وَكَلَامه هَذَا يحمل عَلَى تَقْدِير نصابه، لَا عَلَى أصل إِيجَاب الزَّكَاة فِيهِ، كَمَا نبه عَلَيْهِ صَاحب الإِمام.
تَنْبِيه: قَالَ الرَّافِعِيّ: غَالب مَا كَانُوا يتعاملون بِهِ من أَنْوَاع الدَّرَاهِم فِي عصر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم والصدر الأول بعده نَوْعَانِ: بغليَّة وَهُوَ ثَمَانِيَة دوانق، وطبريَّة وَهُوَ أَرْبَعَة، فَأخذُوا وَاحِدًا من هَذِه وواحدًا من هَذِه وقسموها نِصْفَيْنِ، وَجعلُوا كل وَاحِد درهما، يُقَال: فعل ذَلِك فِي زمَان بني أُميَّة. وَنسبه الْمَاوَرْدِيّ إِلَى فعل عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَهَذَا لم أره عَن عمر فِي كتاب حَدِيثي فليبحث عَنهُ.

.الحديث الرَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْمِيزَان ميزَان أهل مَكَّة، والمكيال مكيال أهل الْمَدِينَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع، وَالنَّسَائِيّ هُنَا، من حَدِيث سُفْيَان عَن حَنْظَلَة، عَن طَاوس، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ وَاللَّفْظ لأبي دَاوُد، وَلَفظ النَّسَائِيّ: «عَلَى مكيال» «وَعَلَى ميزَان»، وَرِجَاله رجال الصَّحِيح من سُفْيَان إِلَى آخِره، لَا جرم قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: إِسْنَاده عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَقَالَ صَاحب الإِمام: رِجَاله رجال الصَّحِيح. وَفِي رِوَايَة لَهما: «وزن الْمَدِينَة ومكيال مَكَّة». قَالَ أَبُو دَاوُد: وَرَوَاهُ بَعضهم من رِوَايَة ابْن عَبَّاس فَأَخْطَأَ.
قلت: وَمن هَذَا الطَّرِيق أخرجهَا ابْن حبَان فِي صَحِيحه، وَلَفظه: «الْوَزْن وزن مَكَّة، والمكيال مكيال أهل الْمَدِينَة». وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنْهُمَا فَقَالَ: أَخطَأ أَبُو نعيم فِي حَدِيث ابْن عمر، وَالصَّحِيح حَدِيث ابْن عَبَّاس. وَهَذَا مُخَالف لما ذكره أَبُو دَاوُد، وَلَكِن وَافقه الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ فِي علله: الصَّحِيح حَدِيث ابْن عمر. قَالَ: وَرَوَاهُ الْفرْيَابِيّ عَن الثَّوْريّ، وَخَالفهُ فِي الْمَتْن، فَقَالَ: «الْمِكْيَال مكيال أهل مَكَّة، وَالْوَزْن وزن أهل الْمَدِينَة» وَالصَّحِيح اللَّفْظ الآخر. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا: إِن الصَّوَاب الآخر. وَرَوَاهُ مَالك بن دِينَار عَن عَطاء، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالصَّوَاب مَا تقدم.
فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَى الحَدِيث أَن الْوَزْن الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ حق الزَّكَاة وزن أهل مَكَّة، وهِيَ دَار الْإِسْلَام. قَالَ ابْن حزم: وبحثت غَايَة الْبَحْث عَن كل من وثقت بتمييزه، فَكل اتّفق لي عَلَى أَن دِينَار الذَّهَب بِمَكَّة وَزنه اثْنَان وَثَمَانُونَ حَبَّة، وَثَلَاثَة أعشار حَبَّة بالحب من الشّعير الْمُطلق، وَالدِّرْهَم سَبْعَة أعشار المثقال، فوزن الدِّرْهَم الْمَكِّيّ سَبْعَة وَخَمْسُونَ حَبَّة وَسِتَّة أعشار حَبَّة وَعشر عشر حَبَّة، فالرطل مائَة دِرْهَم وَاحِدَة وَثَمَانِية وَعِشْرُونَ درهما بالدرهم الْمَذْكُور.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَابه وَاضحا.

.الحديث السَّادِس:

«أنّ امْرَأتَيْنِ أتتا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي أَيْدِيهِمَا سواران من ذهب؛ فَقَالَ لَهما: أتؤديان زَكَاته؟ قَالَتَا: لَا فَقَالَ لَهما رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتحبان أَن يسوركما الله بسوارين من نَار؟ قَالَتَا: لَا. قَالَ: فأديا زَكَاته».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، عَن قُتَيْبَة، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن امْرَأتَيْنِ...» فَذكره بِمثلِهِ سَوَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث قد رَوَاهُ الْمثنى بن الصَّباح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب نَحْو هَذَا، والمثنى وَابْن لَهِيعَة يُضعفَانِ فِي الحَدِيث، قَالَ: وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْء- أَي فِي زَكَاة الْحلِيّ- وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك صَاحب الْمُغنِي من الْحفاظ والكبار فَقَالَ: بَاب زَكَاة الْحلِيّ لَا يَصح فِيهِ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَبِير شَيْء.
وَهَذَا من التِّرْمِذِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّمَا ذكره لِأَنَّهُ لم يَقع لَهُ الحَدِيث إِلَّا من طَرِيق الْمثنى بن الصَّباح وَابْن لَهِيعَة عَن عَمْرو، وَإِلَّا فَلهُ طَريقَة أُخْرَى صَحِيحَة رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث حُسَيْن الْمعلم، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن حميد بن مسْعدَة وَأبي كَامِل الجحدري، عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن حُسَيْن. وَالنَّسَائِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود، عَن خَالِد، عَن حُسَيْن، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن امْرَأَة أَتَت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَعَهَا ابْنة لَهَا، وَفِي يَد ابْنَتهَا مسكتان غليظتان من ذهب، فَقَالَ لَهَا: أتعطين زَكَاة هَذَا؟ قَالَت: لَا. قَالَ: أَيَسُرُّك أَن يسورك الله بهما يَوْم الْقِيَامَة بسوارين من نَار؟ قَالَ: فخلعتهما فألقتهما إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَت: هما لله وَلِرَسُولِهِ». اللَّفْظ لأبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ بِنَحْوِهِ.
والمسكتان:- بِفَتْح الْمِيم وَالسِّين- تَثْنِيَة مَسَكة، وَهِي السوار. وحسين الْمعلم وَمن قبله ثِقَات احْتج بهم فِي الصَّحِيح، خلا شيخ النَّسَائِيّ فَإِنَّهُ لم يخرج لَهُ فِيهِ، وَهُوَ صَدُوق، فَهُوَ حَدِيث صَحِيح، وَلَا يقبل تَضْعِيف ابْن الْجَوْزِيّ لَهُ بقوله: حُسَيْن بن ذكْوَان أخرج لَهُ فِي الصِّحَاح لَكِن قَالَ يَحْيَى ابْن معِين: فِيهِ اضْطِرَاب. وَقَالَ الْعقيلِيّ: ضَعِيف. هَذَا كَلَامه، فالعقيلي ضعفه بِلَا حجَّة ذكر لَهُ حَدِيثا وَاحِدًا غَيره يُرْسِلهُ فَكَانَ مَاذَا؟
وَقَول ابْن الْجَوْزِيّ: قَالَ يَحْيَى بن معِين: فِيهِ اضْطِرَاب؛ مِمَّا وهم فِيهِ، وَصَوَابه: قَالَ يَحْيَى بن سعيد. كَمَا نَقله غَيره، وَقد قَالَه يَحْيَى بن سعيد مرّة.
وَلَا يقبل أَيْضا تَضْعِيف ابْن حزم لَهُ فِي محلاه حَيْثُ قَالَ: احْتج من رَأَى إِيجَاب الزَّكَاة فِي الْحلِيّ بآثار واهية، وَهُوَ خبر رَوَيْنَاهُ من حَدِيث خَالِد بن الْحَارِث عَن حُسَيْن الْمعلم... فَذكره، وَقَوله هُوَ الواهي.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ عَمْرو. قلت: لَا يضرّهُ؛
لِأَنَّهُ ثِقَة، وَقد نقل هُوَ فِي كتاب الطَّلَاق قبل النِّكَاح عَن ابْن رَاهَوَيْه أَنه إِذا كَانَ الرَّاوِي عَنهُ ثِقَة فَهُوَ كأيوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَذكر عَن جمَاعَة من الْحفاظ أَنهم يحتجون بحَديثه فَلَا يضر حينئذٍ تفرده بِالْحَدِيثِ.
وَأما الإِمَام الشَّافِعِي فَقَالَ فِي الْقَدِيم: قَالَ بعض النَّاس: فِي الْحلِيّ زَكَاة، وَرَوَى فِيهِ شَيْئا ضَعِيفا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَأَن الشَّافِعِي أَرَادَ حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق حُسَيْن الْمعلم، عَن عَمْرو كَمَا سلف، وَمن طَرِيق الْحجَّاج بن أَرْطَاة وَضَعفه، ثمَّ قَالَ: حُسَيْن أوثق من الْحجَّاج، غير أَن الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ كالمتوقف فِي رِوَايَة عَمْرو ابْن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، إِذا لم يَنْضَم إِلَيْهَا مَا يؤكدها؛ لِأَنَّهُ قيل: إِن رِوَايَته عَن أَبِيه عَن جده صحيفَة كتبهَا عبد الله بن عَمْرو.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد ذكرنَا فِي كتاب الْحَج مَا يدل عَلَى صِحَة سَماع عَمْرو من أَبِيه، وَسَمَاع أَبِيه من جده عبد الله بن عَمْرو.
قَالَ: وَقد انْضَمَّ إِلَى حَدِيثه هَذَا حَدِيث أم سَلمَة وَحَدِيث عَائِشَة فِي مثل ذَلِك. قلت: وَكَذَا حَدِيث أَسمَاء.
قَالَ أَحْمد فِي مُسْنده: نَا عَلّي بن عَاصِم، عَن عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم، عَن شهر بن حَوْشَب، عَن أَسمَاء بنت يزِيد قَالَت: «دخلت أَنا وخالتي عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وعلينا أسورة من ذهب، فَقَالَ لنا: أتعطيان زَكَاته؟ فَقُلْنَا: لَا. قَالَ: أما تخافان أَن يسوركما الله بأسورة من نَار؟ أديا زَكَاته». وعليٌّ ضَعَّفُوهُ، وَعبد الله من رجال مُسلم، وَهُوَ ثِقَة، وَلينه ابْن معِين مرّة، وَشهر تَرَكُوهُ، وَقَول الْبَيْهَقِيّ: «حُسَيْن الْمعلم أوثق من الْحجَّاج» فِيهِ وَقْفَة؛ فحسين أخرج لَهُ فِي الصِّحَاح مستقلاًّ، وحجاج أخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا وَتَكَلَّمُوا فِيهِ كثيرا. وَقَول الْبَيْهَقِيّ: «إِن الشَّافِعِي كالمتوقف فِي عَمْرو بن شُعَيْب» قد نقل عَنهُ غَيره أَنه صرَّح بذلك، فَقَالَ: لَا أحتج بحَديثه حَتَّى أعلم عَن أَي جديه يروي، فَإِن رَوَاهُ عَن جده مُحَمَّد بن عبد الله فَهُوَ مُرْسل لَا أحتج بِهِ، وَإِن رَوَاهُ عَن جد أَبِيه، فجد أَبِيه عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، فَهُوَ صَحِيح، يجب الْعَمَل بِهِ. كَذَا نَقله عَنهُ ابْن معن فِي تنقيبه والقلعي أَيْضا. وَرَوَى النَّسَائِيّ هَذَا الحَدِيث مرّة من حَدِيث مُعْتَمر بن سُلَيْمَان مُرْسلا، ثمَّ قَالَ: خَالِد أثبت عندنَا من مُعْتَمر، وَحَدِيث مُعْتَمر أولَى بِالصَّوَابِ.

.الحديث السَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا زَكَاة فِي الْحلِيّ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة من حَدِيث عَافِيَة بن أَيُّوب، عَن اللَّيْث، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: لَا أصل لَهُ. وَقَالَ: وفقهاؤنا يَرْوُونَهُ مَرْفُوعا وَلَا أصل لَهُ. قَالَ: وَإِنَّمَا يرْوَى عَن جَابر من قَوْله غير مَرْفُوع. قَالَ: وعافية بن أَيُّوب مَجْهُول، فَمن احْتج بِهِ كَانَ مغررًا بِدِينِهِ، دَاخِلا فِيمَا نعيب بِهِ الْمُخَالفين من الِاحْتِجَاج بِرِوَايَة الْكَذَّابين، وَالله يعصمنا من أَمْثَاله. وَقَالَ فِي خلافياته: لَا أصل لَهُ مَرْفُوعا وَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف عَلَى جَابر.
وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فَرَوَاهُ فِي تَحْقِيقه مَرْفُوعا ثمَّ قَالَ: إِن قيل: إِن عَافِيَة ضَعِيف. قُلْنَا: مَا عرفنَا أحدا طعن فِيهِ. ثمَّ قَالَ: فَإِن قيل: فقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث مَوْقُوفا عَلَى جَابر. قُلْنَا: الرَّاوِي قد يسند الشَّيْء تَارَة، ويفتي بِهِ أُخْرَى.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب: فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عَافِيَة بن أَيُّوب، وَلم يبلغنِي عَنهُ مَا يُوجب تَضْعِيفه.
وَاعْترض عَلَيْهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين، فَقَالَ فِي الإِمام: يحْتَاج المحتج بِهِ أَن يبلغهُ فِيهِ مَا يُوجب تعديله.
قلت: قد عدل وَللَّه الْحَمد، ذكره ابْن أبي حَاتِم، وَقَالَ: رَوَى عَن أُسَامَة بن زيد بن أسلم، رَوَى عَنهُ عبد الْعَزِيز بن عمرَان. ثمَّ نقل عَن أبي زرْعَة أَنه قَالَ: هُوَ أَبُو عُبَيْدَة مصري، لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَفِي الْإِكْمَال لِابْنِ مَاكُولَا: عَافِيَة بن أَيُّوب بن عبد الرَّحْمَن بن مُسلم مولَى دوس أَبُو عُبَيْدَة، يروي عَن حَيْوَة بن شُرَيْح، وَمُعَاوِيَة بن صَالح، وَالْمُحَرر بن بِلَال بن أبي هُرَيْرَة، وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز، وَاللَّيْث بن سعد، وَمَالك بن أنس، وَغَيرهم، آخر من حدث عَنهُ بِمصْر بَحر بن نصر.
قلت: فقد زَالَت عَنهُ الْجَهَالَة العينية والحالية إِذا، والحافظ شمس الدَّين الذَّهَبِيّ فِي مِيزَانه تبع الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ: عَافِيَة بن أَيُّوب رَوَى عَن اللَّيْث بن سعد، تكلم فِيهِ، مَا هُوَ بِحجَّة، وَفِيه جَهَالَة. هَذَا لَفظه.

.الحديث الثَّامِن:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الذَّهَب وَالْحَرِير: هَذَانِ حرَام عَلَى ذُكُور أمتِي حلٌّ لإناثها».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه فِي بَاب الْآنِية وَاضحا فَرَاجعه من ثَم.

.الحديث التَّاسِع:

«أَن رجلا قطع أَنفه يَوْم الْكلاب، فَاتخذ أنفًا من فضَّة، فَأَنْتن عَلَيْهِ، فَأمره النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَّخذ أنفًا من ذهبٍ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن طرفَة «أَن جده عرْفجَة- بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة، ثمَّ رَاء سَاكِنة، ثمَّ فَاء، ثمَّ جِيم، ثمَّ هَاء- بن أسعد أُصِيب أَنفه يَوْم الْكلاب فِي الْجَاهِلِيَّة، فَاتخذ أنفًا من ورق...» الحَدِيث.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن، إِنَّمَا نعرفه من حَدِيث أبي الْأَشْهب عَن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة، وَقد رَوَى سَلم بن زَرير- أَي بِفَتْح الزَّاي- عَن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة، نَحْو حَدِيث أبي الْأَشْهب، وزرير أصح. وَقَالَ ابْن مهْدي: سلم بن وَزِير وَهُوَ وهم، وَقد رَوَى غير وَاحِد من أهل الْعلم أَنهم شدوا أسنانهم بِالذَّهَب، وَفِي هَذَا الحَدِيث حجَّة لَهُم.
قلت: سلم هَذَا ثِقَة من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَإِن ضعفه ابْن معِين. وَأَبُو الْأَشْهب جَعْفَر بن الْحَارِث ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَأما ابْن حبَان فَذكره فِي ثقاته، وَقَالَ: إِنَّه ثِقَة. قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ بِأبي الْأَشْهب العطاردي، ذَلِك بَصرِي وَهَذَا واسطي. قَالَ: وهما جَمِيعًا ثقتان. وَأخرج هَذَا الحَدِيث فِي صَحِيحه من جِهَته، وَخَالف ابْن الْقطَّان فضعفه، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة أبي الْأَشْهب، وَاخْتلف عَنهُ؛ فالأكثر يَقُول: عَنهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة بن عرْفجَة عَن جده، وَابْن عليَّة يَقُول: عَنهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة عَن أَبِيه عَن عرْفجَة. فعلَى طَريقَة الْمُحدثين يَنْبَغِي أَن تكون رِوَايَة الْأَكْثَرين مُنْقَطِعَة؛ فَإِنَّهَا معنعنة، وَقد زَاد فِيهَا ابْن علية وَاحِدًا، وَلَا يدْرَأ هَذَا قَوْلهم: إِن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة سمع من جده. وَقَول يزِيد بن زُرَيْع: إِنَّه سمع من جده. فَإِن هَذَا الحَدِيث لم يقل فِيهِ: إِنَّه سَمعه مِنْهُ، وَقد أَدخل بَينهمَا فِيهِ الْأَب، وأنى هَذَا؟ فَإِن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة الْمَذْكُور لَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث، وَلَا يعرف رَوَى عَنهُ غير أبي الْأَشْهب، فَإِن احْتِيجَ فِيهِ إِلَى أَبِيه طرفَة- عَلَى مَا قَالَ ابْن علية عَن أبي الْأَشْهب- كَانَ الْحَال أَشد؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْرُوف الْحَال وَلَا مَذْكُور فِي رُوَاة الْأَخْبَار.
فَائِدَتَانِ: الأولَى: رَوَى ابْن حبَان فِي ضُعَفَائِهِ فِي تَرْجَمَة أبان بن سُفْيَان وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي تَرْجَمَة عبد الله بن عبد الله بن أبيّ «أَنه أُصِيب ثنيته- أَعنِي عبد الله هَذَا- يَوْم أحد، فَأمره النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَّخذ ثنية من ذهب».
قَالَ ابْن حبَان: وَأَبَان هَذَا يروي عَن الثِّقَات أَشْيَاء مَوْضُوعَة. قَالَ:
وَهَذَا الْخَبَر مَوْضُوع، وَكَيف يَأْمر المصطفي باتخاذ ثنية من ذهب وقد قَالَ: «إِن الذَّهَب وَالْحَرِير محرمان عَلَى ذُكُور أمتِي، وحل لإناثهم»؟ لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهَذَا الشَّيْخ ولَا الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا عَلَى سَبِيل الِاعْتِبَار.
قلت: وَحكمه عَلَى الْوَضع بِمُجَرَّد هَذَا غير جيد، وَقد أخرج هُوَ فِي صَحِيحه حَدِيث اتِّخَاذ الْأنف من ذهب، وَأي فرق بَينهمَا؛ وَخص ذَلِك من النَّهْي كَمَا خص لبس الْحَرِير للحكة وَغَيرهَا، نعم أبان هَذَا مُتَّهم، وَفِي إِسْنَاد الْحَاكِم: عَاصِم بن سُلَيْمَان الْكذَّاب.
الثَّانِيَة: الكُلاَب- بِضَم الْكَاف وَفتح اللَّام المخففة-: اسْم لماءٍ من مياه الْعَرَب، كَانَت عِنْده وقْعَة فسمّي ذَلِك الْيَوْم بِهِ. وَقيل: كَانَ عِنْده يَوْمَانِ مشهوران يُقَال فيهمَا: الْكلاب الأول وَالْكلاب الثَّانِي. حَكَاهُ ابْن الصّلاح ثمَّ النَّوَوِيّ.
وَقَالَ الْحَازِمِي بعد أَن ضَبطه كَمَا أسلفته: هُوَ مَاء بَين الْكُوفَة وَالْبَصْرَة، عَلَى سبع لَيَال من الْيَمَامَة، يذكر فِي أَيَّام الْعَرَب. قَالَ: وكُلاب أَيْضا اسْم وَاد بثهلان بِهِ نخل، وثهلان جبل لباهلة؛ ذكره فِي كِتَابه الْمُخْتَلف والمؤتلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن.
وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: الكُلاب- بِضَم أَوله وبالباء الْمُوَحدَة- هُوَ قِدَةُ بِعَينهَا، وَبَين أدناه وأقصاه مسيرَة يَوْم، أَعْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْيمن، وأسفله مِمَّا يَلِي الْعرَاق.
وَقَالَ ابْن معن فِي تنقيبه: الْكلاب- بِضَم الْكَاف- اسْم لموضعين: أَحدهمَا: مَاء بَين الْكُوفَة وَالْبَصْرَة عَلَى سبع لَيَال من الْيَمَامَة، وَفِيه كَانَ الكُلاب الأول، وَأما الْمَكَان الثَّانِي، وَهُوَ الكُلاب الثَّانِي: فَهُوَ اسْم لماء بَين جبلة وشمام وَهُوَ جبل. قَالَ: وَقيل: الكُلاب اسْم مَوضِع من الْيَمَامَة بَين الْكُوفَة وَالْبَصْرَة، وَقعت فِيهِ وقعتان: إِحْدَاهمَا بَين مُلُوك كِنْدَة، وَالْأُخْرَى بَين الْحَارِث وَتَمِيم.
فَائِدَة ثَالِثَة: العرفج شجرٌ مَعْرُوف وَبِه سمي عرْفجَة هَذَا.

.الحديث العَاشِر:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ خَاتمًا من فضَّة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته؛ أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس وَابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.

.الحديث الحَادِي عشر:

ثَبت أَن قبيعة سيف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت من فضَّة.
هَذَا الحَدِيث سلف بَيَانه مَبْسُوطا فِي الْأَوَانِي فَرَاجعه مِنْهُ وتأمَّل قَوْله: «ثَبت» هُنَاكَ.

.الحديث الثَّانِي عشر:

ورد فِي الْخَبَر ذمّ تحلية الْمُصحف بِالذَّهَب.
الَّذِي يحضرني الذَّم فِي تحليته مُطلقًا، وَذَلِكَ فِي عدَّة أَحَادِيث وآثار، أما الْأَحَادِيث فأولها: عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَفعه: «من اقتراب السَّاعَة اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ خصْلَة: إِذا رَأَيْتُمْ النَّاس أماتوا الصَّلَاة...» إِلَى أَن قَالَ: «وحليت الْمَصَاحِف، وصورت الْمَسَاجِد...» الحَدِيث بِطُولِهِ.
رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو نعيم فِي «الْحِلْية» فِي تَرْجَمَة عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ، من حَدِيث فرج بن فضَالة عَنهُ، عَن حُذَيْفَة، بِهِ ثمَّ قَالَ: غَرِيب من حَدِيث عبد الله بن عُمَيْر عَن حُذَيْفَة، لم يروه عَنهُ- فِيمَا أعلم- إِلَّا فرج بن فضَالة. قلت: قد ضَعَّفُوهُ.
ثَانِيهَا: عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: «إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن تحلى الْمَصَاحِف...» الحَدِيث.
رَوَاهُ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي كِتَابه ذكر شُمُول الدَّلَائِل عِنْد حُلُول الزلازل من حَدِيث جرير، عَن عَطاء عَنهُ، وَقد أسلفنا الْكَلَام عَلَى هَذِه التَّرْجَمَة، وَهِي جرير عَن عَطاء، فِي بَاب الْأَحْدَاث، فِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْعشْرين مِنْهُ.
ثَالِثهَا: عَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «إِذا زخرفتم مَسَاجِدكُمْ وحليتم مصاحفكم فالدبار عَلَيْكُم».
ذكره الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره، عَن الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول، وَلم يبرز إِسْنَاده، وَسَيَأْتِي مَوْقُوفا.
وَأما الْآثَار فَمِنْهَا: عَن أُبَيِّ بن كَعْب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه؛ أَنه قَالَ: «إِذا حليتم مصاحفكم وزوقتم مَسَاجِدكُمْ فالدبار عَلَيْكُم».
رَوَاهُ ابْن أبي دَاوُد فِي كتاب الْمَصَاحِف بسندٍ لَا بَأْس بِهِ، وَرُوِيَ مثله عَن أبي الدَّرْدَاء وَأبي هُرَيْرَة، وَفِي إِسْنَاد أبي الدَّرْدَاء مَجْهُول.
وَذكر هَذَا الْخَطِيب فِي تلخيصه وَلَفظه: «فالدبار عَلَيْكُم» وَعَزاهُ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه فِي بَاب الْمَسَاجِد إِلَى الْبَغَوِيّ بِلَفْظ: «زخرفتم» بدل «زوقتم» ثمَّ قَالَ: الدبار- بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة ثمَّ بَاء مُوَحدَة-: أَي الْهَلَاك.
وَرَوَى ابْن أبي دَاوُد أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور، بسندٍ جيد، عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يكره أَن يُحلَّى الْمُصحف، وقَالَ: تغرون بِهِ السَّارِق وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: «أَنه رَأَى مُصحفا قد زُيِّنَ بِفِضَّة، فَقَالَ: تغرون السَّارق؟ زينته فِي جَوْفه».
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِفضل الله وقوته.

.وَأما آثاره:

فثمانية:

.أَولهَا:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «لَا زَكَاة فِي اللُّؤْلُؤ».
وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه عَنْهَا، وَإِنَّمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سعيد بن جُبَير، أَنه قَالَ: «لَيْسَ فِي حجر زَكَاة إِلَّا مَا كَانَ لتِجَارَة من جوهرٍ، وَلَا ياقوت وَلَا لُؤْلُؤ وَلَا غَيره إِلَّا الذَّهَب وَالْفِضَّة». وَرَوَاهُ أَيْضا عَن الحكم، عَن عَلّي قَالَ: «لَيْسَ فِي جَوْهَر زَكَاة». ثمَّ قَالَ: هَذَا مُنْقَطع وَمَوْقُوف. قَالَ: وروينا نَحْو هَذَا عَن عَطاء وَسليمَان بن يسَار وَعِكْرِمَة وَالزهْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَمَكْحُول.
فَائِدَة: اللُّؤْلُؤ فِيهِ أَربع لُغَات، قُرِئَ بهنَّ فِي السَّبع، بهمزتين، ودونهما، وبهمز أَوله دون ثَانِيه، وَعَكسه.
قَالَ جُمْهُور أهل اللُّغَة: اللُّؤْلُؤ: الْكِبَار، والمرجان: الصغار، وَقيل عَكسه.

.ثَانِيهَا:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَا شَيْء فِي العنبر».
وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنهُ، تَعْلِيقا بِصِيغَة جزم، وَهَذَا لَفظه: قَالَ ابْن عَبَّاس: «لَيْسَ العنبر بركاز، إِنَّمَا هُوَ شَيْء دسره الْبَحْر».
وأسنده الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَنهُ صَحِيحا، بِلَفْظ: «لَيْسَ فِي العنبر زَكَاة، إِنَّمَا هُوَ شَيْء دسره الْبَحْر». وَفِي لَفْظَة لَهُ كَلَفْظِ البُخَارِيّ، وَفِي آخر لَهُ: «أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن العنبر؛ فَقَالَ: إِن كَانَ فِيهِ شَيْء فَفِيهِ الْخمس». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَابْن عَبَّاس علق القَوْل فِيهِ فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَقطع بِأَن لَا زَكَاة فِيهِ فِي الرِّوَايَة الأولَى، وَالْقطع أولَى. ودسره الْبَحْر- بدال وسين مهملتين مفتوحتين- أَي: قذفه وَدفعه.